> كتب/ ماهر باوزير:

شهدت الرياض حدثًا فنيًا بارزًا تمثل في عرض الأوركسترا الحضرمية بقيادة الفنان محمد القحوم، الذي سعى إلى تقديم التراث الموسيقي الحضرمي بأسلوب عالمي، هذا العرض أثار حماسًا كبيرًا بين الحضور وألقى الضوء على إمكانيات الموسيقى الحضرمية وقدرتها على الانفتاح، لكنه في ذات الوقت طرح تساؤلات عميقة حول مدى وضوح الرسالة التي حملها العرض، وحول الحفاظ على الهوية الحضرمية وسط محاولات المزج والانفتاح على الآخر.

تميزت الأوركسترا الحضرمية بدمجها بين الآلات الموسيقية التقليدية كالسمسية والعود وبين الآلات الغربية كالوتريات والنحاسيات، في تجربة مبتكرة هدفت إلى نقل التراث الحضرمي إلى العالمية وهذا الأداء اتسم بالإبداع والتنوع، حيث استطاع القحوم توظيف الألحان الحضرمية ضمن قوالب موسيقية حديثة، مما منح العمل طابعًا عالميًا وجذب اهتمامًا كبيرًا ومع ذلك، كان هناك قلق من أن بعض ملامح الهوية الحضرمية قد ذابت وسط هذا المزج، مما أدى إلى غياب عناصر تقليدية بارزة كالأزياء، القصائد الشعبية، والرقصات التراثية، التي تُعد جوهر الهوية الفنية لحضرموت.

في حين أن الهدف من المشروع كان إبراز حضرموت كجزء أصيل من التنوع الثقافي العربي، إلا أن بعض الملاحظات رأت أن العرض اقترب في بعض جوانبه من تقديم الهوية اليمنية بشكل أوسع، ما جعل الرسالة تبدو ضبابية بالنسبة للبعض.

وفي سياق الأحداث الإقليمية والسياسية، يصبح من المهم جدًا أن تظل مشاريع كهذه قادرة على توضيح هويتها ورسالتها دون الخضوع لتأثيرات أو أجندات قد تعيد تشكيل هدفها الأساسي.

لضمان استمرارية النجاح وتطوير هذا المشروع الفني، يمكن التفكير في تعزيز الطابع البصري للعرض عبر تقديم خلفيات تمثل التراث المعماري الحضرمي الفريد، أو إدراج مقاطع فيديو توثق الحياة اليومية في حضرموت كجزء من التجربة، كذلك يجب التركيز على تضمين عناصر ثقافية إضافية مثل الأزياء التقليدية والرقصات الشعبية، مما يمنح العرض بُعدًا ثقافيًا أعمق ويعزز من تجربة الجمهور.

من جهة أخرى، يمكن أن يلعب المجتمع الحضرمي في الخارج دورًا أكبر في دعم مثل هذه المشاريع من خلال الانتشار الواسع للحضارم في العديد من الدول يمنحهم فرصة ليكونوا سفراء لثقافتهم، ويشكلوا قوة داعمة لتوسيع تأثير الأوركسترا الحضرمية عالميًا بدعم هذه الجاليات يمكن أن يوفر موارد إضافية، سواء على مستوى التمويل أو الترويج الثقافي، مما يسهم في تعزيز حضور الموسيقى الحضرمية على الساحة الدولية.

الأوركسترا الحضرمية في الرياض كانت خطوة جريئة ومبدعة، لكنها تحتاج إلى رؤية أكثر وضوحًا لتعزيز الهوية الحضرمية وحماية رسالتها الثقافية ونجاح التجربة الفنية كان واضحًا، لكن الطريق نحو ترسيخ حضرموت كعلامة ثقافية عالمية يتطلب مزيدًا من التخطيط والتطوير، بحيث تظل حضرموت حاضرة بهويتها المميزة التي تجمع بين الأصالة والانفتاح في آنٍ واحد.