> الجزائر «الأيام» العرب:

​انتشرت المفردات المستخدمة في شبكات التواصل الاجتماعي واختلطت بالحياة اليومية للشباب العربي، مهددة مصير اللغة العربية، بينما تلقي بظلال سلبية على ثقافة الشباب وسلوكهم، وعلى الرغم مما لها من إيجابيات في تسهيل التواصل والنشر، فإن مخاطرها كثيرة وتتطلب دراسة شاملة.

ولا يخفى على المتابعين أن مواقع التواصل الكثيرة ولعل أبرزها فيسبوك أضرت بالفكر والأدب والإبداع، وبالتالي باللغة العربية، خاصة في ضوء اعتمادها على الثقافة الشعبية وتراجع تأثير النخبة وأصحاب الفكر، وهو ما أثر سلبًا على قيمة الفكر والكلمة ومضمونها ودلالاتها، بينما يعد بعالم جديد مختلف.
  • واقع جديد
الضعف اللغوي والاضطراب الهوياتي عند مستخدمي شبكات التواصل دليل على تأثيرها السلبي على لغة المجتمعات وثقافتها وهويتها
يبحث كتاب “مستقبل اللغة العربية في ضوء شبكات التواصل الاجتماعي”، وهو من تأليف الدكتور فؤاد جودي، في الظواهر التي أفرزتها شبكات التواصل وتأثيرها في اللغة وصناعة المستقبل.

ويتناول هذا الإصدار موضوعًا مهمًّا يتعلق بالتحديات التي تواجهها لغة القرآن الكريم في ظل التطورات التكنولوجية التي فرضت على البشرية أنماطًا ونماذج مختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول فؤاد جودي، في تقديم كتابه، الصادر عن دار فهرنهايت للنشر والتوزيع بالجزائر، “حققت تكنولوجيا الإعلام والاتصال تطورات مذهلة في ظل الثورة الرقمية وأصبحت، منذ نهاية القرن الماضي، السمة البارزة لعصر ما بعد الحداثة؛ إذ اتسعت مساحتها لتشمل مختلف مجالات الحياة لتشكل تداعياتها واقعا مفروضا على الفرد والمجتمع، وشكل التواصل، عبر شبكاتها الاجتماعية ووسائطها الجديدة، مجتمعًا افتراضيًا قادرًا على اختراق الحواجز المكانية، يرمي بظلاله على الواقع الاتصالي في مختلف المجتمعات، ويصنع واقعًا جديدًا له أبعاده وتأثيراته”.

ووضح أن تكنولوجيا الإعلام والاتصال أتاحت فرصًا وإمكانات جديدة في مجال التواصل، فتعددت أشكاله ووسائله بهدف تبادل الأفكار والآراء، والتقدم بمقترحات وحلول للمشكلات التي تواجه المشتركين في الحوار، في عصر يموج بالتغيرات العالمية المعاصرة؛ عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات، الذي أثّر تأثيرًا كبيرًا في المجتمعات الإنسانية من حيث لغاتها، وثقافاتها، وهوياتها، وأنساقها القيمية السائدة؛ غير أن هذه العولمة أثارت جدلًا واسعًا، وأوجدت نوعًا من التوتر والقلق لدى العالم الثالث خاصة، ثم تجاوزت التحديات المحلية إلى الآفاق العالمية، وأصبحت واقعًا مفروضًا على دول العالم، وتدخلت في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
  • قضايا طارئة
يضيف جودي قائلًا “المراقب للمشهد اللغوي العربي المعاصر وما يتخلله من قضايا طارئة، كانت قد فرضتها متطلبات العصر، من ناحية، وقرون التراجع الحضاري التي مرت بها أمتنا العربية عبر مسارها التاريخي، من ناحية أخرى، يدرك حجم التحدي الذي تواجهه اللغة العربية في عصر يتصف بتفجر المعرفة في جميع مجالاتها، ويتميز بالتسارع الضخم في تطور العلوم على الأرض، وفي الفضاء الخارجي، حتى أضحت حياتنا المعاصرة على درجة عالية جدا من التشابك والتعقيد والتداخل على جميع المستويات والأصعدة”.

ويخلص المؤلف في كتابه إلى أنه “في ضوء هذا التصور يمكن الحديث عن التأثير الكبير الذي تمارسه شبكات التواصل الاجتماعي على المنظومة اللغوية للشعوب العربية، في سياق تعزيز القيم الثقافية الجديدة؛ إذ أن الضعف اللغوي والاضطراب الهوياتي الذي نلحظه عند مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصًا عند فئة الشباب، يعد دليلًا واضحًا على وجود تأثير سلبي لهذه الشبكات على لغة المجتمعات العربية وثقافتها وهويتها، ويشكل تهديدًا صريحًا للغة العربية ومستقبلها، بما قـد يفضي، في يوم من الأيام، إلى طمسها أو التقليل من شأنها والحد من حضورها على خارطة التكوين الجينية للموروثات المعرفية والنفسية والحضارية للشخصية العربية المسلمة.

وقد احتلت مواقع التواصل الاجتماعي صدارة عمليات التواصل الإنساني، خاصة بين الشباب باستعمال لغة أطلق عليها اسم “الفرانكو آراب” وهناك من وصفها باللغة “الفيسبوكية”، وتتميز بوجود مصطلحات خاصة، فتحولت اللغة العربية إلى مزيج من لفظ عربي يكتب بأحرف لاتينية ورموز وأرقام، لتشكل لغة جديدة بدأت تطالعنا يوميًا أثناء التواصل عبر الشبكة العنكبوتية، نظرًا إلى أن اللغات الأجنبية تخلو من بعض الأصوات الموجودة في العربية، ولذلك وقعوا في حيرة: كيف يعبّرون عن الحاء، والقاف، والضاد والعين مثلا؟ فبات حرف الحاء مثلًا يكتب رقم 7 والعين رقم 3 وهكذا.

وإن الاستمرار في تداول هذه اللغة يؤدي إلى تهديد لغتنا العربية وإلى ضياعها مع مرور الأيام، فمثلًا أصبحت كلمة محمد تكتب mo7amad ويزداد الخوف مع مرور الوقت من غزو هذه المفردات وانتشارها على حساب المفردات العربية، وبالتالي ترسخ هذه اللغة بين جموع الجيل الجديد مما يشكل خطرًا على لغة الضاد، ويزيد الهوة بين لغة القرآن والأجيال الناشئة.

ويشدد جودي على أن “الوعي بمسببات هذه الظاهرة يجعل الفرد مسؤولًا تجاه اللغة العربية مدركًا لأهميتها، وهذا يتطلب دراسة جديدة تحاول أن تضع يدها على بؤرة الحدث والصراع بدقة متناهية، وأن تشخص لنا الداء والدواء تشخيصًا دقيقًا، يرسم لنا صورة صادقة وأمينة لأهم ملامح اللغة في الحاضر والآتي، وكيف يمكن لنا من خلال هذا الرسم أن نتعرف على واقع لغتنا العربية ونتطلع إلى مكانتها ومستقبلها في عصرنا الراهن، عصر التفجر المعلوماتي والتقني وعصر وسائل التواصل الاجتماعي، بشتى أنواعها وخدماتها”.

ولا بد من القول إن اللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية، وأداة أساسية يتواصل بها أفراد المجتمع؛ توجب على الناطقين بها ومستعمليها، ضبط قواعدها وصيانة قوانينها وتطويرها لتبقى وتستمر.
يشار إلى أن الدكتور فؤاد جودي، مؤلف هذا الكتاب، باحث جزائري، حاصل على شهادة دكتوراه من جامعة الجزائر، ويشتغل أستاذا للأدب العربي.