منذ أن امتلك الأطفال غرفاً خاصة بهم، ابتدأ عقاب الوالدين الشهير بإرسال أبنائهم للجلوس وحيدين هناك، لاسيما بعد انتشار حملات التوعية بأهمية معاقبة الأطفال بدون ضرب .
ورغم أن هذا النوع من العقاب يمثل تحسناً بالمقارنة مع الأنواع الأخرى، كالصفع، لكنَّه قد يُسفر عن مشاكل مختلفة.
ونقل الصحفي في موقع The Atlantic الأميركي، جو بينسكر، عن خبراء في مجال تربية الأطفال إنَّ هذه العبارة قد تُعيق سعي الأبوين لتنشئة طفلٍ متفهم مُراعٍ لشعور الآخرين.
ماذا يحدث حين يذهب الطفل لغرفته؟
تتساءل الأخصائية النفسية، لورا ماركهام، التي تروج للتربية المسالمة: «ما الذي نظن أنَّه سيحدث عندما يذهب الأطفال إلى غرفهم؟».
وتقول إنَّ الأطفال قد يخرجون من غرفهم أهدأ ممَّا دخلوها، لكنَّهم يحُرِمون من إحدى فرص تطوير شخصيتهم.
وتضيف، «الغضب دائماً ما يكمن داخله إحساسٌ بالخوف أو الأذى أو العجز، وغالباً ما تدفع هذه العاطفة الطفل إلى أن يثور للتنفيس عنها».
لذا، عبارة «اذهب إلى غرفتك» تعني ضمنياً، «اكبت هذه المشاعر الكامنة إلى أن تكون مستعداً للتفاعل مع العالم من جديد».
معاقبة الأطفال بدون ضرب
ويتمثل البديل البنَّاء لـ معاقبة الأطفال بدون ضرب في مناقشة الآباء لأبنائهم حول بعض الأمور المتعلقة بأسباب إقدامهم على هذا الفعل أو ذاك.
وتقول لورا: «حالما يشعر الطفل بأننا نُنصت إليه، سيشرع في أخذ نفس عميق ويستعيد سيطرته على نفسه».
فالمناقشة تمنح الطفل إمكانية الإقرار بما يجيش به صدره من مشاعر، وهي فرصة للآباء ليحاوروا أطفالهم بما يفكرون به.
وتضيف لورا، مؤسسة موقع Aha!Parenting، «إذا أرسلت الطفل إلى غرفته، لن يتمكن من إطلاق العنان لمشاعره».
ووفقاً لما ذكرته لورا، فإنَّ هذا المبدأ العام يسري أيضاً على عقوبة الوقت المستقطع التي يُعزل فيها الطفل عن محيطه.
كذلك عقوبة الحبس المنزلي التي يُحرم فيها الطفل من الخروج من المنزل باستثناء ذهابه إلى المدرسة.
العقاب ضروري أحياناً
ومع ذلك، قد تقتضي الحاجة فرض بعض القيود أحياناً، كأن يخالف الابن المراهق قاعدةً تتعلق بالامتناع عن ألعاب الفيديو طوال الأسبوع.
يقتضي على الأب حينها أن يتجاوب مع الأمر بطريقة إيجابية ويتخذ أسلوب الحوار قبل كل شيء.
على سبيل المثال، يمكنه القول لابنه إنه لن يشاركه في ألعاب الفيديو بعد ذلك حتى يستعيد ثقته به.
وتكمن الفكرة هنا في التشديد على حدوث شرخ في الثقة بين الابن وأنَّ الابن مُطالبٌ بالعمل جاهداً لكسب ثقة أبيه مجدداً.
هل يستخدم الآباء هذا العقاب لتأكيد سلطتهم؟
فيما قدمت أستاذة علم النفس في جامعة بوينت بارك شارانا أولفمان، رأياً آخر بشأن عبارة «اذهب إلى غرفتك».
شدَّدت على أهمية الهدف الذي ينشد الأب تحقيقه عند تلفظه بهذه العبارة.
فهل يسعى بهذا العقاب إلى إرسال ابنه إلى غرفته لأخذ بعض الوقت ليهدأ ويُفكر؟ أم أنه مجرد تأكيد سلطة؟
ربما يُجدي النهج الأول نفعاً، لكنَّ الأخير لا يتيح للطفل الفرصة لمناقشة مشاعره، خاصةً إذا ما اتُخذ العقاب بدافع الغضب.
أستاذ علم النفس في جامعة فلوريدا أتلانتيك، بريت لورسين، تطرق لنقطة أكثر عملية تتعلق بمحدودية الفائدة في هذا العقاب.
يقول، «يمتلك الكثير من الأطفال أجهزةً إلكترونية وألعاباً تساوي الآف الدولارات، مما لا يجعل جلوسهم في غرفتهم عقاباً كبيراً».
إن كانت لعقوبة «اذهب إلى غرفتك» كل هذه التبعات، فلِمَ يستمر الآباء في فرضها، رغم وجود سبل أخرى كثيرة لـ معاقبة الأطفال بدون ضرب ؟
يُقدم بريت تفسيراً بأنَّ ثمة ارتياحاً في فكرة وجود حلٍّ واحد لمشكلةٍ معقدة كإساءة التصرف، ويناسب كل الحالات.
وتعتقد لورا أن بعض الآباء لا يشعرون بالارتياح تجاه مشاعر أبنائهم السلبية، فيحاولون إسكاتهم أو معاقبتهم، بدلاً من التحدث إليهم.
ماذا عن بقية العقوبات؟
تُعَد عقوبة حبس الطفل في الغرفة مجرد وسيلة من الوسائل المتغيرة باستمرار، التي يُعاقِب بها الآباء أبناءهم.
إذ يقول بريت إن الآباء ينتقون بحكمة تلك العقوبات التي يكرهها أطفالهم.
وأكد على أن عقوبة الحرمان من استخدام الهواتف تعد مكروهةً جداً للعديد من الأطفال في الوقت الحاضر.
بينما كان الآباء قبل عدة عقود، يلجأون إلى عقوبة صفع الأطفال على مؤخراتهم.
ومن اللافت للنظر أن استطلاعاً أُجرِي في عام 2010 بين أنَّ خُمس الآباء ما زالوا يستخدمون هذا العقاب.
بينما كان 10% منهم يطبقون عقوبة الضرب على المؤخرة بالمضرب الخشبي.
عقوبة الضرب على المؤخرة وتأثيرها
ولعقوبة الصفع على المؤخرة تاريخٌ طويل.
يقول أستاذ التاريخ في جامعة تكساس، ستيفن مينتز إن بعض المُنظِّرين في القرن الـ17 يرون أن الأرداف خُلقت بهذا الشكل تحديداً كي تُصفَع.
وفي بداية نشأة أميركا، كان يُعتقد أنَّ العقوبة البدنية ضرورية لطبقةٍ من البشر كانوا يرونهم غير متعقلين.
وقال مينتز إنَّ المتشددين منهم اعتقدوا بوجوب «ترويض الأطفال بذات الطريقة التي تروَّض بها الحيوانات».
ويمكن أيضاً تمييز بقايا تلك الفلسفة في تاريخ عقوبة «اذهب إلى غرفتك».
حيث يُنسب المفهوم المعاصر المتعلق بإرسال الطفل إلى غرفته كي يبقى فيها إلى الاختصاصي النفسي آرثر ستاتس.
وكان ستاتس يمتلك عدداً كبير من الأطفال لديهم غرفة خاصة بهم.
وأوصى آرثر ستاتس باستخدام هذا العقاب بدلاً من الصراخ وتوجيه السباب لإسكات الأطفال، كنوعٍ من الترويض الذاتي.
وأشار مينتز إلى سرعة بعض الآباء في تطبيق عقوبة الوقت المستقطع قبل التفكير في بدائل أخرى. ويلجأ آخرون إلى قواعد بديهية ضعيفة الموثوقية لتحديد مدة عقوبة الوقت المستقطع.
فمثلاً، يُعاقبون الطفل ذا السنوات الثلاث بالبقاء 3 دقائق في غرفته.