أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 02:45 م بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • ​ثلاث صور من الواقع..

    أحمد عبدالله المريسي




    ​بعد انتهاء صلاة المغرب شعرت ببعض التعب والفتور ربما عندي السكر مرتفع شوية لأني لي فترة لم اشترِ العلاج المطلوب بحسب روشتة الطبيب؛ لأنه غالٍ وأنا اشتري نوعًا رخيصًا بحسب ظروفي، ربما لم يكن بنفس الجودة والفعالية والمواصفات المطلوبة ولأني أيضًا لم أقم بفحص نسبة السكر التراكمية لأسباب الكل يعرفها هذه الأيام ويعيشها ويعانيها وهي الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة للغاية وعدم دفع الرواتب في وقتها لأكثر من شهرين متتاليين وانهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية والغلاء الفاحش الذي ينهش الناس التي أصبحت عاجزة وغير قادرة ولا باليد حيلة ولا تستطيع شراء المواد الغذائية والاستهلاكية الضرورية في أدنى صورة من الصور ولا تستطيع توفير قيمة العلاج لبعض الأمراض التي تعاني منها ولا لديهم المصاريف الكافية والضرورية المهم الكل يعاني وفي حالة يرثى لها والناس في عدن عزيزة ومستورة بثوب العافية ولا يعلم بهم إلا الله وحده.

    المهم أني بعد خروج أعداد المصلين ألقيت بجسدي المنهك والمتعب بأحد زوايا المسجد لأخذ قسط من الراحة استعدادًا لصلاة العشاء، الحقيقة الناس متعبة ومنهكة وفي حالة يرثى لها الكهرباء مقطوعة سبع ساعات والماء منقطع والمعيشة ضنكة ونكد أسوأ ظروف نعيشها هذه الأيام ولم نعرفها في حياتنا من قبل أبدًا رغم كل الظروف والإرهاصات والأحداث التي عصفت بنا وخاصة في مدينة عدن وضواحيها.

    وفي تلك الأثناء جلس إلى جواري أحد الجيران من كبار السن والذي لم يستلم معاشه لشهرين جلس وتحدث معي وقال لي يا شيخ أحمد أنا جيعان ومش قادر أروح السوق عند صاحب المطعم الذي أكلت عنده لأنني لم أسدد له الدين الذي علي وأنا مستحٍ وخازٍ منه مع أن الرجل طيب كيف تشوف ياشخينا أيش يشتونا نسرق ونكسر أقفال الدكاكين والمخازن والمستودعات وينهش بعضنا بعضًا ونتقاتل على طول الطرقات وكأننا في غابة وليس في مدينة عدن التي كانت أم الدنيا وأم الغني والفقير، أصبحت وكأنها غابة موحشة؛ القوي فيها يأكل الضعيف ومش معقول نقف متفرجين على أولادنا وهم يموتون من الجوع ونحن نقف عاجزين عن إطعامهم وتصور ياشيخنا أننا طول أعمارنا نرفض أكل السحت والحرام ولم نقبل به حتى في فترة وزمن الحروب والفوضى أن نسرق أو ننهب أو نأكل الحرام أو نشارك في ذلك أبدًا واليوم نحن نمر في أسوأ ظرف وأسوأ مرحلة عشتها في حياتي، إلى هنا وانتهت الصورة الأولى.

    وعند عودتي بعد صلاة العشاء إلى المنزل والكهرباء طافية منذ الساعة الخامسة مساء وستستمر إلى غاية الساعة الثانية عشرة ليلًا وإذا بي أمام أحد الأولاد وهو أصغر أولادي وهو مستحٍ مني ومش جاسر يتحدث معي وقد شعرت به من دون أن يتحدث معي لأني أعرف أن ابنته الصغيرة ذات السنة من العمر مريضة وعندها  ما يسمى بسنان الأطفال (الرداف) وعندها حمة وإسهال وهو يحتاج حق الفحوصات والعلاج والحفاظات والمواصلات فبفضل من الله ومنه وكرمه علينا توفرت للابن المبلغ الذي يساعده على علاج ابنته الطفلة ذات السنة من العمر مما ادخره لمثل هذه الحالات لدرجة أنه بكى وهو مش مصدق أن المبلغ توفر له وقال لي وهو يتحشرج ويجهش بالبكاء لولا فضل الله ونعمته علينا ثم وجودك يا والدي لكان مصير ابنتي مجهول، إلى هنا انتهت الصورة الثانية.

    بعد هذا الموقف جلست مشغولًا ومهمومًا وأفكر بحالنا هذا وأنا بجانب المنزل على متكئ بجانب المنزل وإذا بي أسمع حوارًا بين شخص وآخر يطلب منه سلفة لأنه محتاج لشراء بعض المواد الغذائية البسيطة حتى يفرج الله همه وأيضًا الدبة الغاز استهلكت ونفد منها الغاز وهو وعياله وأحفاده بلا عشاء هذه هي الصورة الثالثة من المآسي والألآم والأوجاع التي نعيشها في بيوتنا كمواطنين من أبناء عدن أرهقتهم التجاذبات والصراعات السياسية ووحشية أناس كنا نحسبهم مثلنا من البشر تغولوا وعاثوا في الأرض الفساد وتحولوا إلى ذئاب وحيوانات مفترسة ووحوش ضارية تأكل الأخضر واليابس تعيش في التخمة والرفاهية ورغد العيش ويموت الآخرين من أبناء هذه المدينة التي تحولت إلى مدينة أشباح بعد أن كانت أم الدنيا وزهرة المدائن وقبلة العالم.

المزيد من مقالات (أحمد عبدالله المريسي)

  • Phone:+967-02-255170

    صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
    كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

    Email: [email protected]

    ابق على اتصال